فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون} وفى سورة هود: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها صالحون} فقال في الأولى {وأهلها غافلون} وقال في الثانية {وأهلها مصلحون} فللسائل أن يسأل عن الفرق بين الموضعين؟
والجواب والله أعلم أنه لما تقدم هنا قوله تعالى: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتى وينذرونكم لقاء يومكم}، فقدم سبحانه ذكر بعثة الرسل للجن والإنس وإنذارهم وتذكيرهم بالآيات وتعريف الخلق بالجزاء الأخراوى على مقتضى قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} فلا عذر لأحد وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى: {أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير} فلم يتركوا سدى ولا عذر لمغض ولا متغافل بعد تنبيهه {ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون} فهذا مناسب وتقدم آية هود قوله تعالى: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم} ولو كانوا ينهون عن الفساد في الأرض لكانوا مصلحين فلم يكونوا ليؤخذوا بالعقاب {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} فقد ناسب كلا من الآيتين ما أعقبت به ولم يكن ليناسب آية الأنعام {وأهلها مصلحون} ولا آية هود {وأهلها غافلون}، والله أعلم بما أراد وسيذكر إن شاء الله فرق ما بين قوله: {مهلك} فبر باسم الفاعل وقوله: {ليهلك} بلام الجحود الداخلة على الفعل المستقبل في سورة هود إن شاء الله. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)}
متى يصحُّ في وصفة توهم الظلم والمُلكُ مُلكه والخَلْقُ خلقُه؟
ومتى يقبح منه تصرُّفٌ في شخصٍ بما أراد، والعبد عبده والحكم حكمه؟ اهـ.

.قال الشنقيطي:

{ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)}
النفي في هذه الآية الكريمة منصب على الجملة الحالية، والمعنى أنه لا يهلك قومًا في حال غفلتهم، أي عدم إنذارهم، بل لا يهلك أحدًا إلا بعد الإعذار والإنذار على ألسنة الرسل عليهم صلوات الله وسلامه، كما بين هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، وقوله: {رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرسل} [النساء: 165]، وقوله: {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24]، وقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل: 36] إلى غير ذلك من الآيات. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {ذلك أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ}
فيه ثلاثة أوجه:
أحدهما: أنه مُبْتَدأ مَحْذُوف الخَبَر، أي: ذَلِك الأمر.
الثاني: عكس ذلك الأمر.
الثالث: أنه مَنْصُوب فِعْل، أي: فَعَلْنَا ذلك، وإنما يَظْهَر المَعْنَى إذا عُرِف المُشَارُ إليه، وهو يُحْتَمل أن يكُون إتْيَات الرُّسُل وأمْر من كذَّب، ويحتمل أن يكون إشَارَةً إلى السُّؤال المَفْهُوم من قوله: {ألَمْ يَأتِكُمْ} وقوله: {أنْ لَمْ يَكُنْ} يَجُوز فيه وجهان:
أحدهما: أنه على حَذْفِ لام العِلَّة أي: ذلك الأمر الَّذي قَصَصْنا، أو ذلك الإتْيان، أو ذلك السُّؤال لأجْل {أنْ لَمْ يَكُن} فلما حُذِفَت اللاَّم احتمل مَوْضِعُها الجَرّ والنَّصْب كما عُرِف مِرَارًا.
والثاني: أن يكُونَ بدلًا من ذلك.
قال الزَّمَخْشَري: ولك أن تَجْعَله بَدَلًا من ذلك؛ كقوله: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ} [الحجر: 66].
فيجوز أن يَكُون في محلِ رفع أو نصب على ما تقدَّم في ذلك، إلاَّ أنَّ الزَّمَخْشَرِي القائل بالبَدليَّة لم يَذْكُر لأجْل ذلك إلاَّ الرَّفْع على خَبَر مُبْتَدأ مُضْمَر، و{أنْ} يجوز أن تكثون النَّاصِبَة للمُضَارع، وأن تكُون مُخَفَّفَة، واسْمُهَا ضَمِير الشَّأن، و{لَمْ يَكُنْ} في محلِّ رفع خبرها، وهو نظير قوله: {أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ} [طه: 89].
وقوله: [البسيط]
في فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الهِنْدِ قَدْ عَلَمُوا ** أنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَخْفَى ويَنْتَعِلُ

و{بِظُلَم} يجُوز فيه وجهان:
أظهرهما: أنه مُتعلِّق بِمَحْذُوف على أنَّه حالٌ من ربُّطَ أو من الضَّمير في {مُهْلِكَ} أي: لم يَكُون مُهْلِك القُرى مُلْتِبِسًا بِظُلْمٍ، ويجُوز أن يكُون حالًا من القُرَى، أي: مُلْتَبِسَة بذُنُوبها، والمعْنَيَان منْقُولان في التَّفْسِير.
والثاني: أن يتعلَّق بمُهْلِكَ على أنَّه مَفْعُول وهو بَعِيد، وقد ذكرَهُ أبو البقاء.
وقوله: {وأهْلُهَا غَافِلُون} جُمْلَة حالية أي: لم يُنْذَرُوا حتى يَبْعَث إليهم رُسُلًا تُنْذرهُم، وقال الكَلْبِي: يُهْلِكُهم بذُنُوبِهم من قَبْل أنْ يَأتيهمُ الرُّسُل.
وقيل: مَعْنَاه لم يَكُون لِيُهْلِكَهُم دون التَّنْبيه والتَّذْكِير بالرُّسُل، فيكون قد ظَلَمَهُم؛ لأن الله- تبارك وتعالى- أجْرى السُّنَّة ألا يَأخذ أحدًا إلا بعد وُجُود الذَّنْبِ، وإنما يَكُون مُذْنِبًا إذا أمِر فَلَمْ يأتَمِر، ونُهِيَ فلم يَنْتَهِ، وذلك إنما يكون بعد إنْذَار الرُّسُل، وهذه الآية تدلُّ على أنَّه لا وُجُوب ولا تَكْلِيف قِبْلَ ورود الشَّرْع. اهـ.

.تفسير الآية رقم (132):

قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما بيّن سبحانه أن لأحد الفريقين دار السلام، والآخر دار الملام، قال جامعًا للفريقين عاطفًا على قوله: {لهم دار السلام عند ربهم} [الأنعام: 127]: {ولكل} أي عامل من الفريقين صالح أو طالح في قبيلي الجن والإنس في الدارين {درجات} أي يعليهم الله بها {مما} أي من أجل ما {عملوا} ودركات يهويهم فيها كذلك.
ولما تقدم أنه تعالى لا يهلك المجرمين إلاّ بعد الإعذار إليهم، وتضمن ذلك إمهالهم، وختم أحوالهم بأنهم موضع لثبوت الغفلة ودوامها، نفى أن يسلم شيء من ذلك بجناب عظمته على وجه أثبت له ذلك إحاطة العلم بجميع أعمالهم فقال: {وما ربك} أي المحسن إليك بإعلاء أوليائك وإسفال أعدائك، وأغرق في النفي لإثبات مزيد العلم فقال: {بغافل عما يعملون} أي عن شيء يعمله أحد من الفريقين، بل هو عالم بكل شيء من ذلك وبما يستحقه العامل قادر على جزائه، فلا يقع في وهم أن الإمهال لخفاء الاستحقاق بخفاء الموجب له، فالآية من النصوص في كتابة الصالحين من الجن. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما شرح أحوال أهل الثواب والدرجات، وأحوال أهل العقاب والدركات ذكر كلامًا كليًا، فقال: {وَلِكُلّ درجات مّمَّا عَمِلُواْ} وفي الآية قولان:
القول الأول: أن قوله: {وَلِكُلّ درجات مّمَّا عَمِلُواْ} عام في المطيع والعاصي، والتقدير: ولكل عامل عمل فله في عمله درجات، فتارة يكون في درجة ناقصة، وتارة يترقى منها إلى درجة كاملة، وأنه تعالى عالم بها على التفصيل التام، فرتب على كل درجة من تلك الدرجات ما يليق به من الجزاء، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.
والقول الثاني: أن قوله: {وَلِكُلّ درجات مّمَّا عَمِلُواْ} مختص بأهل الطاعة، لأن لفظ الدرجة لا يليق إلا بهم.
وقوله: {وَمَا رَبُّكَ بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} مختص بأهل الكفر والمعصية والصواب هو الأول.
واعلم أن هذه الآية تدل أيضًا على صحة قولنا في مسألة الجبر والقدر، وذلك لأنه تعالى حكم لكل واحد في وقت معين بحسب فعل معين بدرجة معينة، وعلم تلك الدرجة بعينها وأثبت تلك الدرجة المعينة في اللوح المحفوظ وأشهد عليه زمر الملائكة المقربين، فلو لم تحصل تلك الدرجة لذلك الإنسان لبطل ذلك الحكم، ولصار ذلك العلم جهلًا، ولصار ذلك الإشهاد كذبًا وكل ذلك محال فثبت أن لكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما تعملون، وإذا كان الأمر كذلك، فقد جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، والسعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه. اهـ. بتصرف يسير.

.من أقوال المفسرين:

.قال السمرقندي:

{وَلِكُلّ درجات مّمَّا عَمِلُواْ} يعني: ولكل واحد من المؤمنين فضائل في الجنة بعضهم أرفع درجة من بعض، وللكافرين درجات بعضهم أشد عذابًا من بعض.
{وَمَا رَبُّكَ بغافل عَمَّا يَعْمَلُونَ} يعني: لمن ينسى الطاعة من المطيعين، ولا المعصية من العاصين، ويجازي كل نفس بما عملت.
قرأ ابن عامر {عَمَّا تَعْمَلُونَ} على معنى المخاطبة.
وقرأ الباقون: {يَعْمَلُونَ} بالياء على معنى المغايبة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ولكلٍ درجاتٌ مما عملوا} أي: لكل عامل بطاعة الله أو بمعصيته درجات، أي: منازل يبلغها بعمله، إن كان خيرًا فخيرًا، وإن كان شرًا فشرًا.
وإنما سميت درجات لتفاضلها في الارتفاع والانحطاط، كتفاضل الدرج.
قوله تعالى: {عما يعملون} قرأ الجمهور بالياء؛ وقرأ ابن عامر بالتاء على الخطاب. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ} أي من الجن والإنس؛ كما قال في آية أخرى: {أولئك الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول في أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ الجن والإنس إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ} [الأحقاف: 18] ثم قال: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [الأحقاف: 19].
وفي هذا ما يدل على أن المطيع من الجن في الجنة، والعاصي منهم في النار؛ كالإنس سواء.
وهو أصح ما قيل في ذلك فاعلمه.
ومعنى {ولِكلٍّ درجاتٌ} أي ولكل عامل بطاعةٍ درجاتٌ في الثواب.
ولكلّ عاملٍ بمعصية دركاتٌ في العقاب.
{وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ} أي ليس بلاَهٍ ولا سَاهٍ.
والغفلة أن يذهب الشيء عنك لاشتغالك بغيره.
{عَمَّا يَعْمَلُونَ} قرأه ابن عامر بالتاء، الباقون بالياء. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {ولكل درجات مما عملوا} يعني ولكل عامل بطاعة الله أو بمعصيته درجات، يعني منازل يبلغها بعمله إن كان خيرًا فخير وإن كان شرًا فشر.
وإنما سميت درجات لتفاضلها في الارتفاع والانحطاط كتفاضل الدرج وهذا إنما يكون في الثواب والعقاب على قدر أعمالهم في الدنيا فمنهم من هو أعظم ثوابًا ومنهم من هو أشد عقابًا، وهو قول جمهور المفسرين وقيل: إن قوله تعالى: {ولكل درجات مما عملوا}، مختص بأهل الطاعة لأن لفظ الدرجة لا يليق إلا بهم.
وقوله تعالى: {وما ربك بغافل عما يعملون} مختص بأهل الكفر والمعاصي ففيه وعيد وتهديد لهم.
والقول الأول أصح، لأن علمه تعالى شامل لكل المعلومات فيدخر فيه المؤمن والكافر والطائع والعاصي وأنه عالم بأعمالهم على التفصيل التام فيجزي كل عامل على قدر عمله وما يليق به من ثواب أو عقاب. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ولكل درجات مما عملوا} أي ولكل من المكلفين مؤمنهم وكافرهم درجات متفاوتة من جزاء أعمالهم وتفاوتها بنسبة بعضهم إلى بعض أو بنسبة عمل كل عامل فيكون هو في درجة فيترقى إلى أخرى كاملة ثم إلى أكمل، والظاهر اندراج الجن في العموم في الجزاء كما اندرجوا في التكليف وفي إرسال الرسل إليهم.
قال الضحاك: مؤمنو الجن في الجنة كمؤمني الإنس.
وقيل: لا يدخلون الجنة ولا النار يقال لهم كونوا ترابًا فيصيرون ترابًا كالبهائم.
وقال ابن عباس: جزاء مؤمني الجن إجارتهم من النار.
وقال أبو حنيفة: ليس للجن ثواب لأن الثواب فضل من الله فلا يقال به لهم إلا ببيان من الله ولم يذكر الله في حقهم إلا عقوبة عاصيهم لا ثواب طائعهم وخالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد فقالا: لهم ثواب على الطاعات وعقاب على المعاصي ودليلهما عموم الكتاب والسنة.
وقيل: ولكل من المؤمنين خاصة.
وقال الماتريدي: ولكل من الكفار خاصة درجات دركات ومراتب من العقاب مما عملوا من الكفر والمعاصي، لأنه جاء عقيب خطاب الكفار فيكون راجعًا عليهم.
{وما ربك بغافل عما يعملون} أي ليس بساه بخفيّ عليه مقادير الأعمال وما يترتب عليها من الأجور وفي ذلك تهديد ووعيد.
وقرأ ابن عامر: تعملون بالتاء على الخطاب. اهـ.